سورة الصافات - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (109) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)} [الصافات: 37/ 102- 113].
هذه آي المحنة لإبراهيم بعد محنته بإلقائه في النار، وكل من المحنتين في غاية القسوة واختبار الإيمان بالله تعالى، فلما كبر إسماعيل عليه السّلام قال له أبوه إبراهيم عليه السّلام: يا بني، إني رأيت في المنام أني أذبحك، فما رأيك؟ أخبره بذلك ليستعدّ لتنفيذ أمر الله، ويثاب على انقياده وطاعته لربه، وليعلم صبره لأمر الله. فأجابه إسماعيل قائلا: امض لما أمرك اللّه من ذبحي، وافعل ما أوحي إليك، سأصبر على القضاء الإلهي، وأحتسب ذلك عند اللّه عز وجل. والمراد بقوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} السعي على القدم، يريد سعيا متمكنا، أو العمل والعبادة والمعونة. وبدأ تنفيذ أمر اللّه تعالى، فلما استسلم الأب وابنه لأمر اللّه وطاعته، وأسلما أنفسهما، أي فوّضا إلى اللّه في قضائه وقدره وألقى إبراهيم على الأرض ابنه على جنبه وجانب جبهته وهو الجبين، ومعنى {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وضعه بقوة، ونادى الملك إبراهيم من الخلف بعدئذ. قد حصل المقصود من رؤياك، وتحقق المطلوب، وصرت صادقا مصدّقا بمجرد العزم، وإن لم تذبح. ثم عدّد اللّه تعالى نعما خمسا على إبراهيم وهي:
1- الإحسان إليه: والمعنى: مثلما جازينا إبراهيم بالعفو عن الذبح، نجزي كل محسن على طاعته، وتفريج كربته ومحنته، وإن هذه المحنة أو الاختبار بالشدة لهو الاختبار الصعب الواضح الذي لا يوجد أصعب منه، حيث اختبر اللّه إبراهيم في مدى طاعته بذبح ولده، فصبر محتسبا الأجر عند ربه.
2- وافتداء الذبح، فلقد جعلنا لإبراهيم فداء ولده بتقديم كبش عظيم الجثة سمين.
والذّبح: اسم لما يذبح، وهو الكبش، ووصفه بالعظم لأنه متقبّل يقينا. ويرى أهل السنة: أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل. والمعتزلة تقول: إنه لا يصح نسخ إلا بعد وقوع الفعل، وهو مجرد إمرار الشفرة على العنق فقط، وهو ما رآه إبراهيم في منامه، فظن أنه ذبح مجهز، منفّذ لذلك، فلما وقع الذي رآه، وقع النسخ.
3- الثناء الحسن عليه: وأبقينا لإبراهيم في الأمم المتلاحقة ثناء حسنا، وذكرا جميلا، فأحبه أتباع الملل كلها، من اليهود والنصارى والمسلمين، وأهل الشرك قاطبة، كما جاء في آية أخرى: {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)} [الشعراء: 26/ 84- 85]. ومثل هذا الجزاء نجزي جميع المحسنين بالفرج بعد الشدة.
4- البشارة بإسحاق: ووهبنا لإبراهيم ولدا آخر بعد إسماعيل هو إسحاق، وجعلناه نبيا صالحا من زمرة الصالحين. والبشارة بولادة إسحاق بعد قصة الذّبح دليل على أن إسماعيل هو الذبيح. وكان الذّبح بمنى.
5- مباركة إبراهيم وإسحاق: وجعلنا البركة والنعمة الدنيوية والأخروية في إبراهيم وإسحاق، ومنها كثرة الولد والذرية، وجعل أكثر الأنبياء من نسلهما ونسل إسماعيل. فقوله تعالى: {وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} أي أفضنا على إبراهيم وإسحاق بركات الدين والدنيا، بأن كثّرنا نسلهما وجعلنا أنبياء ورسلا منهما ومن إسماعيل.
وبعض ذريتهما محسن فاعل للخيرات، وبعضها ظالم لنفسه بالكفر والمعاصي، واضح الظلم والانحراف.
وهذا دليل على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال، وأن النفع ليس بالوراثة والنسب، وإنما الانتفاع بالأعمال، وأنه لا يعيب الأصول ولا ينتقصهم سوء بعض ذريتهم، لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام: 6/ 164].
نعم اللّه على موسى وهارون وإلياس عليهم السّلام:
امتن اللّه تعالى على أنبيائه الكرام بنعم كثيرة بسبب تضحياتهم وجهودهم في سبيل نشر الدعوة إلى اللّه سبحانه، وإصلاح الناس، ومن هؤلاء الأنبياء الصفوة: موسى وهارون عليهم السّلام، ومضمون هذه النعم: النبوة وعلوّ المكانة، ونجاتهم من المآزق والمحن، ونصرهم على معارضيهم، وهدايتهم إلى الطريق القويم، وإبقاء الثناء الحسن والسمعة العالية والتحية لهم على ممر الزمان إلى آخر الدهر، وبهذا النوع من الجزاء على إخلاصهم وطاعتهم لربهم، يجزي اللّه تعالى كل المحسنين، وهذا صريح في الآيات الآتية:


{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)} [الصافات: 37/ 114- 132].
تالله لقد أنعمنا على موسى وهارون بالنبوة وغيرها من العطاءات والمنافع التي تؤدي إلى رفع مكانتهما في الدنيا والآخرة. ونجيناهما وقومهما الإسرائيليين من الكرب العظيم، أي الاستعباد الفرعوني ومحاولة قتلهم ومتابعتهم، وإنجائهم من الغرق في البحر. ونصرناهم، أي موسى وهارون وقومهما على أعدائهم، فكانوا هم المتغلبين أصحاب السيادة والسلطة. وأنعمنا على موسى وهارون بالتوراة الكتاب المنظّم لشؤون الدنيا والآخرة. وأرشدناهما إلى الطريق المستقيم: وهو طريق الشرع والنبوة المؤدي إلى اللّه تعالى.
وأبقينا لهما من بعدهما ثناء حسنا جميلا باقيا آخر الدهر. وهذا هو ما تركه الله عليهما في الآخرين، حيث فسره بقوله تعالى: {سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120)} والمراد به الثناء الحسن في الأمم الباقية المتأخرة. ومثل هذا الجزاء على الإخلاص والطاعة من النبيين الرسولين موسى وهارون نجزي بالخلاص من الشدائد والمحن كل من أحسن عمله، فأطاع اللّه وانقاد له، لأنهما من فئة عباد اللّه المؤمنين المصدقين تصديقا صحيحا كاملا.
وإن إلياس بن ياسين الذي هو نبي من أنبياء اللّه تعالى، والذي ينتهي نسبه إلى أخي موسى عليهما السّلام، بعثه اللّه في بني إسرائيل بعد حزقيل عليه السّلام، وكان قومه الإسرائيليون قد عبدوا صنما، يقال له (بعل) فدعاهم إلى توحيد اللّه تعالى، ونهاهم عن عبادة ما سواه. ومضمون قصته: اذكر أيها الرسول محمد حين قال إلياس لقومه: {أَلا تَتَّقُونَ}. أي هلّا تخافون اللّه تعالى في عبادتكم غيره، وتتركون ما نهاكم عنه من الشرك والعصيان!
أتعبدون صنما وهو (بعل) الذي صنعتموه بأيديكم، وتتركون عبادة الإله الحق المستحق وحده للعبادة؟ فهو سبحانه أحسن الخالقين، أي إنه هو الخالق المبدع، ولا خالق سواه، وهو اللّه الذي رباكم بنعمه، بعد أن أوجدكم من العدم، أنتم وآباؤكم وأجدادكم السابقون. وكان إلياس عليه السّلام في دعوته هذه حكيما، فقد عاب قومه أولا على عبادة غير اللّه تعالى. ثم صرح بتوحيد اللّه، ونفي جميع الشركاء عنه.
فكذبوا دعوته ونبوته، فصاروا بسبب تكذيبه لمحضرون، أي لمجموعون للعذاب يوم القيامة، ومجازون على ما قدموا من الأعمال المنكرة، والأفعال والعقائد الفاسدة.
ثم استثنى اللّه تعالى من ذلك الجزاء: من كان مؤمنا فقال: {إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)} أي إلا عباد اللّه الذين وحّدوه توحيدا خالصا من الشرك وشوائبه، وعبدوه حق العبادة، وأخلصوا العمل لله، فهؤلاء في كل زمان ناجون من العذاب، مثابون ثوابا حسنا على صالح أعمالهم، لا يتعرضون لشيء من عقاب المشركين.
واستحق إلياس النبي عليه السّلام مثلما استحق موسى وهارون: أن يبقي الله عليه ثناء حسنا جميلا آخر الدهر وعلى ممر الزمان، وهو السّلام عليه، سلاما مباركا من الملائكة والإنس والجن، لأنه سليم الإيمان بما أمره اللّه به، وهو الذي قاوم الشرك والوثنية. وإل ياسين: اسم أيضا لإلياس، فهو اسم واحد له، وهذه لغة، كما يقال: إبراهيم وإبراهام، وإدريس وإدراسين.
ومثل ذلك الجزاء على الإخلاص والطاعة من إلياس، يجازي اللّه جميع المحسنين أعمالهم لله تعالى، وعلة الجزاء أنه، أي إلياس مؤمن من جملة عباد اللّه المصدّقين بوجود اللّه وتوحيده واتصافه، أي اللّه بصفات الكمال والجلال والجمال والإحسان.
نعم الله على لوط ويونس عليهما السّلام:
الفضل الإلهي ذو معيار ثابت واحد، فكما أنعم الله تعالى في آيات سابقة من سورة الصافات على موسى وهارون وإلياس عليهم السّلام، أنعم أيضا على لوط ويونس عليهما السّلام، من إنجاء لوط وأهله إلا امرأته من العذاب، وتدمير بقية القوم، وإخراج يونس حيا من بطن الحوت، وحمايته من هضمه، وإنبات شجرة يقطين عليه يحتمي بأوراقها العريضة، وتسخير سبيل إعادة القوة والصحة له، وذلك كله للعظة والعبرة، قال الله تعالى مبينا هذه النعم:


{وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148)} [الصافات: 37/ 133- 148].
إن إيراد بعض قصص الأنبياء السابقين من أجل أن يعتبر بها مشركو العرب وقت نزول الوحي، وكذا كل من كفر وعاند ممن يأتي بعدهم، فإن الذين أمعنوا في الكفر بادوا وهلكوا، وبقي الذين آمنوا. إن لوطا ابن أخي إبراهيم أو ابن أخته أرسله الله من جملة المرسلين إلى أهل سدوم في وادي الأردن، لارتكابهم الفواحش، فنصحهم، فأبوا نصحه، فأهلكهم اللّه بحاصب من الحجارة المحرقة كالبراكين العاتية، فجعل بلادهم عاليها سافلها، ونجى اللّه تعالى لوطا عليه السّلام وأهله المؤمنين به إلا امرأته التي كانت كافرة، صارت هالكة باقية في العذاب، ولرضاها بفعل القوم، وتواطئها معهم على كل من يأتي إلى لوط عليه السّلام. وكفر امرأة لوط: إما أنها كانت مستترة منه، وإما كانت معلنة، وكان نكاح الوثنيات والإقامة عليهن جائزا.
والغابرون: الباقون، وغبر بمعنى بقي، ومعناه هنا: بقيت في الهلاك.
ثم أهلك اللّه قوم لوط الذين كذبوا برسالته، وهم أهل الفاحشة الشنيعة (اللواط). ثم خاطب اللّه تعالى قريشا بما معناه:
قل لهم يا محمد وإنكم يا أهل مكة لتمرون على منازل قوم لوط التي فيها آثار العذاب وقت الصباح، أي بالنهار ذهابا إلى الشام، وفي الليل أثناء رجوعكم من الشام، أفلا تتدبرون بعقل واع، وتتعظون بما تشاهدونه في ديارهم من آثار التدمير، وعقوبة اللّه النازلة بهم، فتخافوا من أن يحل بكم نفس العذاب، وتصيروا مثلهم في مصيرهم المشؤوم، لمخالفتهم رسولهم وتكذيبهم به. وهذا توبيخ لمشركي قريش وأمثالهم.
وأشار اللّه تعالى إلى الصباح والليل، لأن أكثر مشي المسافر على الدواب في الليل وأوائل النهار.
ثم ذكر اللّه قصة نبي آخر، وهو يونس بن متّى، الذي كان من أنبياء بني إسرائيل، أرسله اللّه تعالى إلى قومه أهل نينوى بالموصل، ومضمون قصته: واذكر أيها النبي محمد حين هرب يونس من قومه، مغاضبا قومه، إلى سفينة مملوءة بالحمولة، بغير إذن ربه، فتعرضت السفينة للغرق، فاقترع الركاب فيما بينهم تخفيفا من الحمولة الثقيلة على إلقاء بعضهم في البحر، فأصابت القرعة ثلاث مرات يونس عليه السّلام، فألقوه في البحر، والفلك المشحون مفرد أو جمع: السفينة الموقرة.
فابتلعه الحوت الذي كان بجوار السفينة على الفور، وهو الذي أتى ما يلام عليه، ثم استنقذه اللّه تعالى من بطن الحوت بعد مدة إما سبع ساعات أو ثلاثة أيام أو سبعة أيام. وجعل اللّه تعالى استنقاذه بسبب تسبيحه، بعد إنقاذ القدر السابق، والمراد:
لولا أنه كان في حياته من الذاكرين اللّه كثيرا، المنزّهين إياه، المصلين له، لبقي ميتا في بطن الحوت إلى يوم القيامة، والتسبيح: صلاة التطوع في وقت الرخاء، نفعته في وقت الشدة، وهذا رأي جماعة من العلماء.
وقال ابن جبير. هو قوله في بطن الحوت:
سبحان اللّه إني كنت من الظالمين. فجعل اللّه الحوت يلقيه، في مكان خال من الناس والنبات، على جانب نهر دجلة، وهو عليل الجسد، سقيم البدن، كهيئة الصبي حين يولد.
وأنبت اللّه عليه شجرة فوقه، تظلله وهي شجرة القرع، وهي سريعة النمو، وبعد استعادة عافيته، أرسله اللّه عائدا إلى القوم الذين هرب منهم يائسا من إيمانهم إلى ركوب البحر، وهم أهل نينوى من أرض الموصل، وعددهم مائة ألف فأكثر، حيث وجدهم قد آمنوا بالله ربهم، بعد أن رأوا أمارات العذاب، فمتّعهم اللّه في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ومنتهى أعمارهم.
مناقشة عقائد المشركين:
بعد أن أورد اللّه تعالى في سورة الصافات أخبار جماعة من أنبياء بني إسرائيل، من قبيل إعداد المقدمات الموطّئة لمناقشة المشركين المكيين في عقائدهم، وجه اللّه تعالى إنذارا يتضمن التوبيخ والتقريع للمشركين على فساد اعتقادهم وإنكارهم البعث، ونسبتهم البهتان إلى اللّه تعالى، وجعلهم البنات للّه تعالى، تنزه الحق عن ذلك، وقالت فرقة منهم هم من بني مدلج قولا بلغ غاية الإفك والكذب: ولد اللّه الملائكة، لأنه نكح في سراة الجن، وهذه آيات مخبرة عن هذه الفصول الغريبة:

1 | 2 | 3 | 4